سورة يونس - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال الفراء: معناه: وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يُفْتَرى من دون الله، كقوله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [آل عمران- 161].
وقيل: {أَنْ} بمعنى اللام، أي: وما كان هذا القرآن لِيُفْتَرَى من دون الله.
قوله: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي: بين يدي القرآن من التوراة والإنجيل.
وقيل: تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث، {وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ} تبيين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام، {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
{أَمْ يَقُولُونَ} قال أبو عبيدة: {أم} بمعنى الواو، أي: ويقولون، {افْتَرَاه} اختلق محمد القرآن من قِبَلِ نفسه، {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} شبه القرآن {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} ممن تعبدون، {مِنْ دُونِ اللَّهِ} ليعينوكم على ذلك، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أن محمدا افتراه ثم قال: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} يعني: القرآن، كذبوا به ولم يحيطوا بعلمه، {وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} أي: عاقبة ما وعد الله في القرآن، أنه يؤول إليه أمرهم من العقوبة، يريد: أنهم لم يعلموا ما يؤول إليه عاقبة أمرهم. {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: كما كذب هؤلاء الكفار بالقرآن كذلك كذَّب الذين من قبلهم من كفار الأمم الخالية، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} آخر أمر المشركين بالهلاك.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} أي: من قومك مَنْ يؤمن بالقرآن، {وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ} لعلم الله السابق فيهم، {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} الذين لا يؤمنون.
{وَإِنْ كَذَّبُوكَ} يا محمد، {فَقُلْ لِي عَمَلِي} وجزاؤه، {وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} وجزاؤه، {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} هذا كقوله تعالى: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} [القصص- 55]، {لكم دينكم وليَ دين} [الكافرون- 6].
قال الكلبي ومقاتل: هذه الآية منسوخة بآية الجهاد.
ثم أخبر أن التوفيق للإيمان به لا بغيره:


فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} بأسماعهم الظاهرة فلا ينفعهم، {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} يريد: سمع القلب، {وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ}.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} بأبصارهم الظاهرة، {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ} يريد عمى القلب، {وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ} وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول: إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع، ولا أن تهدي من سلبته البصر، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} لأنه في جميع أفعاله متفضل عادل، {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بالكفر والمعصية.
قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} قرأ حفص بالياء، والآخرون بالنون، {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ} قال الضحاك: كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار. وقال ابن عباس: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار، {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} يعرف بعضهم بعضا حين بعثوا من القبور كمعرفتهم في الدنيا، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة. وفي بعض الآثار: أن الإنسان يعرف يوم القيامة من بجنبه ولا يكلمه هيبة وخشية.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} والمراد من الخسران: خسران النفس، ولا شيء أعظم منه.


قوله تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ} يا محمد، {بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} في حياتك من العذاب، {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل تعذيبهم، {فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} في الآخرة، {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} فيجزيهم به، {ثم} بمعنى الواو، تقديره: والله شهيد. قال مجاهد: فكان البعض الذي أراه قتلهم ببدر، وسائر أنواع العذاب بعد موتهم.
قوله عز وجل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ} وكذبوه، {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} أي عُذِّبوا في الدنيا وأهلكوا بالعذاب، يعني: قبل مجيء الرسول، لا ثواب ولا عقاب. وقال مجاهد ومقاتل: فإذا جاء رسولهم الذي أرسل إليهم يوم القيامة قُضِيَ بينه وبينهم بالقسط، {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} لا يعذبون بغير ذنب ولا يُؤاخذون بغير حجة ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
{وَيَقُولُونَ} أي: ويقول المشركون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} الذي تعدنا يا محمد من العذاب. وقيل: قيام الساعة، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أنت يا محمد وأتباعك.
{قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي} لا أقدر لها على شيء، {ضَرًّا وَلا نَفْعًا} أي: دفع ضر ولا جلب نفع، {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} أن أملكه، {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ} مدة مضروبة، {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} وقت فناء أعمارهم، {فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} أي: لا يتأخرون ولا يتقدمون.
قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا} ليلا {أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} أي: ماذا يستعجل من الله المشركون. وقيل: ماذا يستعجل من العذاب المجرمون، وقد وقعوا فيه؟ وحقيقة المعنى: أنهم كانوا يستعجلون العذاب، فيقولون: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال- 32]. فيقول الله تعالى: {مَاذَا يَسْتَعْجِلُ} يعني: أيش يعلم المجرمون ماذا يستعجلون ويطلبون، كالرجل يقول لغيره وقد فعل قبيحا ماذا جنيت على نفسك.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9